الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.التفسير المأثور: قال السيوطي:{وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}.أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: إن إبراهيم مر برجل ميت زعموا أنه حبشي على ساحل البحر، فرأى دواب البحر تخرج فتأكل منه، وسباع الأرض تأتيه فتأكل منه، والطير تقع عليه فتأكل منه. فقال إبراهيم عند ذلك: رب هذه دواب البحر تأكل من هذا، وسباع الأرض والطير، ثم تميت هذه فتبلى، ثم تحييها فأرني كيف تحيي الموتى؟ قال: أولم تؤمن يا إبراهيم أني أحيي الموتى؟ قال: بلى يا رب ولكن ليطمئن قلبي. يقول: لأرى من آياتك وأعلم أنك قد أجبتني. فقال الله: خذ أربعة من الطير فصنع ما صنع، والطير الذي أخذه: وز ورال، وديك، وطاوس وأخذ نصفين مختلفين ثم أتى أربعة أجبل، فجعل على كل جبل نصفين مختلفين، وهو قوله: {ثم اجعل على كل جبل منهن جزءًا} ثم تنحى ورؤوسهما تحت قدميه، فدعا باسم الله الأعظم، فرجع كل نصف إلى نصفه وكل ريش إلى طائره، ثم أقبلت تطير بغير رؤوس إلى قدمه تريد رؤوسها بأعناقها، فرفع قدمه فوضع كل طائر منها عنقه في رأسه فعادت كما كانت {واعلم أن الله عزيز} يقول: مقتدر على ما يشاء {حكيم} يقول: محكم لما أراد. الرال فرخ النعام.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة. نحوه.وأخرج ابن جرير عن ابن جريج عن ابن عباس قال: بلغني أن إبراهيم بينا هو يسير على الطريق إذا هو بجيفة حمار عليها السباع والطير قد تمزق لحمها وبقي عظامها، فوقف فعجب ثم قال: رب قد علمت لتجمعنها من بطون هذه السباع والطير، رب أرني كيف تحيي الموتى قال: أو لم تؤمن؟ قال: بلى، ولكن ليس الخبر كالمعاينة.وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: سأل إبراهيم عليه السلام ربه أن يريه كيف يحيي الموتى، وذلك مما لقي من قومه من الأذى، فدعا به عند ذلك مما لقي منهم من الأذى فقال: رب أرني كيف تحيي الموتى.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي قال: لما اتخذ الله إبراهيم خليلًا سأل ملك الموت أن يأذن له فيبشر إبراهيم بذلك فأذن له، فأتى إبراهيم ولبس في البيت، فدخل داره وكان إبراهيم من أغير الناس إذا خرج أغلق الباب، فلما جاء وجد في بيته رجلًا ثار إليه ليأخذه، وقال له: من أذن لك أن تدخل داري؟ قال ملك الموت: أذن لي رب هذه الدار. قال إبراهيم: صدقت، وعرف أنه ملك الموت. قال: من أنت؟ قال: أنا ملك الموت جئتك أبشرك بأن الله قد اتخذك خليلًا. فحمد الله وقال: يا ملك الموت أرني كيف تقبض أرواح الكفار؟ قال: يا إبراهيم لا تطيق ذلك.قال: بلى. قال: فاعرض، فاعرض إبراهيم ثم نظر فإذا هو برجل أسود ينال رأسه السماء يخرج من فيه لهب النار، ليس من شعرة في جسده إلا في صورة رجل يخرج من فيه ومسامعه لهب النار، فغشي على إبراهيم ثم أفاق وقد تحوّل ملك الموت في الصورة الأولى. فقال: يا ملك الموت لو لم يلق الكافر عند موته من البلاء والحزن إلا صورتك لكفاه، فأرني كيف تقبض أرواح المؤمنين؟ قال: فأعرض، فاعرض إبراهيم ثم التفت، فإذا هو برجل شاب أحسن الناس وجهًا، وأطيبه ريحًا، في ثياب بياض. قال: يا ملك الموت لو لم ير المؤمن عند موته من قرة العين والكرامة إلا صورتك هذه لكان يكفيه. فانطلق ملك الموت وقام إبراهيم يدعو ربه يقول: رب أرني كيف تحيي الموتى حتى أعلم أني خليلك. قال: أو لم تؤمن؟ يقول: تصدق بأني خليلك. قال: بلى، ولكن ليطمئن قلبي بخلولتك.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن سعيد بن جبير في قوله: {ولكن ليطمئن قلبي} قال: بالخلة.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس في قوله: {ولكن ليطمئن قلبي} يقول: أعلم أنك تجيبني إذا دعوتك، وتعطيني إذا سألتك.وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن مجاهد وإبراهيم {ليطمئن قلبي} قال: لأزداد إيمانًا إلى إيماني.وأخرج عبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن ماجة وابن جرير وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال: {رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}. ويرحم الله لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد، ولو لبثت في السجن ما لبث يوسف لأجبت الداعي».وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن أيوب في قوله: {ولكن ليطمئن قلبي} قال: قال ابن عباس: ما في القرآن آية أرجى عندي منها.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال لعبدالله بن عمرو بن العاص: أي آية في القرآن ارجى عندك؟ فقال: قول الله: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر: 53] الآية. فقال ابن عباس: لكن أنا أقول: قول الله لإِبراهيم {أولم تؤمن قال بلى} فرضي من إبراهيم بقوله بلى، فهذا لما يعترض في الصدور ويوسوس به الشيطان.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق حنش عن ابن عباس {فخذ أربعة من الطير} قال: الغرنوق، والطاوس، والديك، والحمامة. الغرنوق الكركي.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: الأربعة من الطير: الديك، والطاوس، والغراب، والحمام.وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب من طرق عن ابن عباس {فصرهن} قال: قطعهن.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس {فصرهن} قال: هي بالنبطية شققهن.وأخرج ابن جرير عن عكرمة {فصرهن} قال: بالنبطية قطعهن.وأخرج عبد بن حميد عن قتادة {فصرهن} قال: هذه الكلمة بالحبشية يقول: قطعهن واخلط دماءهن وريشهن.وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس {فصرهن} قال: أوثقهن ذبحهن.وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن وهب قال: ما من اللغة شيء إلا منها في القرآن شيء، قيل: وما فيه من الرومية؟ قال: {فصرهن} يقول: قطعهن.وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في البعث من طريق أبي جمرة عن ابن عباس {فصرهن إليك} قال: قطع أجنحتهن ثم اجعلهن أرباعًا، ربعًا هاهنا وربعًا هاهنا في أرباع الأرض {ثم ادعهن يأتينك سعيًا} قال: هذا مثل كذلك يحيي الله الموتى مثل هذا.وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قال: أمر أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن، ثم يخلط بين لحومهن وريشهن ودمائهن، ثم يجزئهن على أربعة أجبل.وأخرج ابن جرير عن عطاء {فصرهن إليك} اضممهن إليك.وأخرج ابن أبي حاتم من طريق طاوس عن ابن عباس قال: وضعهن على سبعة أجبل، وأخذ الرؤوس بيده فجعل ينظر إلى القطرة تلقى القطرة، والريشة تلقى الريشة، حتى صرن أحياء ليس لهن رؤوس، فجئن إلى رؤوسهن فدخلن فيها.وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم ادعهن} قال: دعاهن باسم إله إبراهيم تعالين.وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله: {يأتينك سعيًا} قال: شدًا على أرجلهن.وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: أخذ ديكًا، وطاوسًا، وغرابًا، وحمامًا، فقطع رؤوسهن وقوائمهن وأجنحتهن، ثم أتى الجبل فوضع عليه لحمًا ودمًا وريشًا، ثم فرقه على أربعة جبال، ثم نودي: أيتها العظام المتمزقة، واللحوم المتفرقة، والعروق المتقطعة، اجتمعن يرد الله فيكن أرواحكن. فوثب العظم إلى العظم، وطارت الريشة إلى الريشة، وجرى الدم إلى الدم، حتى رجع إلى كل طائر دمه ولحمه وريشه، ثم أوحى الله إلى إبراهيم: إنك سألتني كيف أحيي الموتى، وإني خلقت الأرض وجعلت فيها أربعة أرواح: الشمال، والصبا، والجنوب، والدبور، حتى إذا كان يوم القيامة نفخ نافخ في الصور، فيجتمع من في الأرض من القتلى والموتى كما اجتمعت أربعة أطيار من أربعة جبال، ثم قرأ: {ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة} [لقمان: 28].وأخرج البيهقي في الشعب عن الحسن في قوله: {رب أرني كيف تحيي الموتى} قال: إن كان إبراهيم لموقنا أن الله يحيي الموتى ولكن لا يكون الخبر كالعيان، إن الله أمره أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحهن وينتفهن، ثم قطعهن أعضاء أعضاء، ثم خلط بينهن جميعًا، ثم جزأهن أربعة أجزاء، ثم جعل على كل جبل منهن جزءًا، ثم تنحى عنهن فجعل يعدو كل عضو إلى صاحبه حتى استوين كما كن قبل أن يذبحهن، ثم أتينه سعيًا.وأخرج البيهقي عن مجاهد في قوله: {فصرهن إليك} قال: يقول: انتف ريشهن ولحومهن ومزقهن تمزيقًا.وأخرج البيهقي عن عطاء قال: يقول: شققهن ثم اخلطهن. اهـ..فوائد لغوية وإعرابية: .قال ابن عادل: في العامل في إذْ ثلاثةُ أوجه:أظهرها: أنه قال: {أَوَلَمْ تُؤْمِن}، أي: قال له ربَّه وقتَ قوله ذلك.والثاني: أنه {أَلَمْ تَرَ} أي: ألم تر إذ قال إبراهيم.والثالث: أنه مضمرٌ تقديره: واذكر قاله الزجاح فإِذْ على هذين القولين مفعولٌ به، لا ظرفٌ. وربِّ منادى مضافٌ لياءِ المتكلم، حُذفَتْ؛ استغناءً عنها بالكسرةِ قبلَها، وهي اللغةُ الفصيحةُ، وحُذِف حرفُ النداءِ.وقوله: أَرِنِي تقدَّم ما فيه من القراءات، والتوجيه في قوله: {وَأَرِنَا} [البقرة: 128] والرؤية- هنا- بصرية تتعدَّى لواحدٍ، ولمَّا دخلَتْ همزةُ النقل، أكسبته مفعولًا ثانيًا، والأولُ ياءُ المتكلم، والثاني الجملة الاستفهامية، وهي معلقة للرؤية ورأى البصرية تُعَلَّق، كما تعلق نَظر البصرية، ومن كلامهم: أَمَا تَرَى أَيُّ بَرْقٍ هاهنا.وكَيْفَ في محلِّ نصب: إمَّا على التشبيه بالظرف، وإمَّا على التشبيه بالحال، كما تقدَّم في قوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ} [البقرة: 28]. والعاملُ فيها تُحيي وقدَّره مكي: بأي حالٍ تُحْيي الموتى، وهو تفسيرُ معنًى، لا إعرابٍ.قوله: {قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن} في هذه الواوِ وجهان:أظهرهما: أنها للعطفِ قُدِّمت عليها همزةُ الاستفهامِ، لأنها لها صدرُ الكلامِ والهمزةُ هنا للتقريرِ؛ لأنَّ الاستفهامَ إذا دخل على النفي، قَرَّره؛ كقول القائل: الوافر:و{أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1]، المعنى: أنتم خيرُ، وقد شرحنا.والثاني: أنها واوُ الحالِ، دخلت عليها ألفُ التقرير، قال ابن عطية؛ وفيه نظرٌ من حيث إنها إذا كانَتْ للحالِ، كانت الجملةُ بعدها في محلِّ نصبٍ، وإذا كانت كذلك، استدعَتْ ناصبًا، وليس ثمَّ ناصبٌ في اللفظِ، فلابد من تقديره؛ والتقديرُ أَسأَلْتَ وَلَمْ تُؤْمِنْ، فالهمزةُ في الحقيقة، إِنما دخَلَتْ على العامل في الحالِ. وهذا ليس بظاهر، بل الظاهرُ الأَوَّلُ، ولذلك أُجيبت ببلى، وعلى ما قال ابنُ عطية يَعْسُر هذا المعنى.وقوله: {بلى} جوابٌ للجملة المنفيَّة، وإنْ صار معناه الإِثبات اعتبارًا باللفظ لا بالمعنى، وهذا من قسم ما اعتبر فيه جانبُ اللفظِ دون المعنى، نحو: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ} [البقرة: 6] وقد تقدَّم تحقيقه واللهُ أَعْلَمُ.قوله: {لِّيَطْمَئِنَّ} اللامُ لامُ كَيْ، فالفعلُ منصوبٌ بعدها، بإضمار أَنْ، وهو مبنيٌّ لاتِّصاله بنون التوكيد واللامُ متعلِّقة بمحذوفٍ بعد لكنْ تقديرُه ولكن سألتُكَ كيفية الإِحياء للاطمئنان، ولابد من تقدير حذفٍ آخر، قبل لكنْ؛ حتَّى يصحَّ معه الاستدراكُ، والتقديرُ: بلى آمنْتُ، وما سألتُ غير مؤمنٍ، ولكنْ سألتُ ليطمئِنَّ قَلْبي ليحصل الفرقُ بين المعلوم بالبرهان وبين المعلوم عيانًا.قال السُّدِّيُّ، وابن جبير: {أَوَلَمْ تُؤْمِن} بأَنَّكَ خليلي {قَالَ بلى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} بالخُلَّةِ.قوله: {مِّنَ الطير} في متعلِّقه قولان:أحدهما: أنه محذوفٌ لوقوع الجارِّ صفةً لأربعة، تقديره: أربعةً كائنةً من الطير.والثاني: أنه متعلقٌ بخذ، أي: خذ من الطير.
|